المعلم وكيس الملاكمة





يحكى أن صبيا صغيرا رغب في تعلم الملاكمة، فذهب إلى أحد المدربين سائلا أن يتتلمذ على يديه، وافق المدرب بترحاب، ورتب مع الصبي جدول بمواعيد التدريب، ذهب الولد في اليوم الأول وكله حماس لتعلم أساليب المناورة والهجوم والدفاع، وجد المعلم ينتظره عند كيس الملاكمة، وأخبره أن عليه أن يتدرب على هذا الكيس، وبالفعل انتظم الولد في التدريبات لمدة عام كامل، يذهب في مواعيد التدريب بانتظام، ويبدأ في ملاكمة الكيس الجلدي الثقيل تحت اشراف مدربه، اصبحت ضرباته أسرع وأقوى، إلا أنه مازال في حاجة للمزيد، وبالفعل في نهاية العام الأول أخبره معلمه برغبته في المزيد.





استجاب له مدربه وجلب له كيس أكبر حجما وأثقل وزنا ليتدرب عليه، في البداية كان مرهق جدا للصبي، إلا أنه لم يلبث أن تعود عليه، وأصبح يستطيع ازاحته بضرباته التي أصبحت أكثر قوة، وصار يشعر بملل حقيقي من التدريب إلا أنه استمر على الانتظام فيه، وكان مدربه وأهله سعيدين بعضلاته التي كانت تبرز أكثر فأكثر.












ومع بداية العام الثالث انتقل الولد إلى مدرسة جديدة، وكان الأولاد يهاجمونه باستمرار ويضربونه، ولم يكن قادرا لا على صد ضرباتهم أو توجيه ضربات مماثلة لهم، على الرغم من قوة عضلاته، فذهب الولد يبكى ويشكي لمدربه، أخذ المدرب يفكر بعمق، ثم أخبر الولد أن الحل سيكون جاهزا بعد أسبوع، وبالفعل بعد أسبوع ذهب الولد بلهفة إلى قاعة التدريب، كشف له مدربه الستار عن كيس ملاكمة جديد مستورد من الخارج، كان أكثر لمعانا وأكبر حجما ووزنا، وبالفعل بدء الولد في التدرب عليه بحماس في البداية، ثم لم يلبث الحماس أن خبى بعد أن استمرت اهانات الأولاد له دون أن يكون قادرا على الرد.




وفي يوم من الأيام تم تغيير أكياس الملاكمة التقليدية، وأحضروا في قاعة التدريب أكياس ملاكمة الكترونية، كان كل كيس مربوط بآلة دقيقة تقيس قوة كل دقة وسرعتها، وتصدر صوتا جميلا كلما استطاع المتدرب أن يحقق رقما جديدا، وعلى الرغم من أنها ساعدت في تطوير الصبي لسرعة ضرباته وقوتها، إلا أن ذلك لم يمنع تعرضه المستمر للأذى..


وفي يوم من الأيام، انتظر الصبي حتى غادر الجميع القاعة، وكان قد قرر أن يكشفر سر أكياس الملاكمة كلها، وكم كانت صدمته كبيرة حينما اكتشف أن جميعها، التقليدية والالكترونية، لا يملؤها إلا القش.....
هل تعرف قصة مشابهة؟؟؟؟؟
إنها قصتنا جميعا مع المناهج التعليمية، لا يزيد المنهاج التعليمي عن كونه كيس للملاكمة، سواء تقليديا كان أو الكترزنيا، والمعلم الذي يلتزم بحذافير المنهاج هو يشبه ذلك المدرب، الذي لا يستطيع أن يطور قدراته بشكل حقيقي ولا يستطيع أن يربطا ربطا فعالا بين ما يدرسه للطلاب وبين واقعهم الفعلي (باستثناء السؤال: أين شاهدنا شيئا مثل ذلك في الواقع؟ وما شابهه من الأسئلة، والتي تربط ربطا نظريا مجردا لا يحقق فائدة فعلية).
إن المعلم الحقيقي هو الذي يتنساءل دائما حول استغلال كل جزء من المنهاج لتطوير قدرات الطلاب العقلية، أين يمكن أن يوظفها وكيف، هو المعلم الذي يقود طلابه دوما في رحلة معرفية استكشافية، ومشاريع حقيقية يمكن لهم من خلالها أن يبنوا معرفة واقعية، ويؤسس لتطوير قدراتهم النقدية والإبداعية وتنمية مهاراتهم في بناء وانتاج معرفة جديدة.....

كيف يمكن للمعلم ذلك؟ هذا ما يجب أن نستكشفه معا..

0 التعليقات :

إرسال تعليق