الموبقات السبعة للتلقين....وجهة نظر الطلاب

لما كان التشخيص نصف العلاج، فقد سعينا أنا وطلابي لتشخيص الممارسات التلقينية، من خلال عصف ذهني قمنا من خلاله باعادة رسم تفاصيل الصف التقليدي كما خبرناه على مدى سنوات تمدرسنا، وتحديد السلبيات الراسخة في تلك المماريات.
بداية تم تحديد أو تعريف التلقين بأنه "حشو الذهن" بحيث تبدو عملية التدريس من خلال هذا المنظور وكأنها مجرد محاولة من المعلم لجمع المعلومات من الكتاب واعادة تعبئتها في عقل الطلاب، بأفضل طريقة أحيانا، وبدون نظام ولا ترتيب أحيانا أخرى، حتى يقوم الطالب بافراغها مرة أخرى على دفتر الاجابة، استعدادا لاعادة تعبئتها في الفصل/ العام القادم، وتستمر عملية التعبئة والتفريغ على مدى سنوات التمدرس كلها (وتستمر أحيانا حتى الجامعة)

1.       شرح الأستاذ بدون مشاركة من الطلاب: مهما كان المعلم مميزا في أسلوب شرحه، ونقل المعرفة إلى الطلاب لفظيا، فإنه بالحد الأدنى يضيع على الطلاب الفرصة لبناء معرفتهم بأنفسهم من جهة، كما يضيع وقت ثمين يمكن استغلاله بصورة تعود بنفع أكبر على الطلاب، وفي أحيان أخرى تقتصر المشاركة على أسلوب "التحقيق البوليسي" حيث يقوم المعلم بالقاء أسئلة قصيرة متعاقبة، تختبر قريحة الطلاب في الغالب فيما شرحه المعلم للتو، والمطلوب منهم تقديم "اجابة واحدة صحيحة" هي التي تلاها عليهم المعلم سابقا.
2.       الطالب عبارة عن مستمع/متلقي/ مستجيب، يؤدي التلقين في الصف إلى شعور الطلاب "بالاغتراب المعرفي"، فما يقدم للطلاب يبقى شيئا خارجا عنهم، في الغالب هم مستمعون لشرح المعلم، لا يشاركون في بناء مادة تعلمهم، وفي الغالب هم طوال الحصص ينفذون أوامر المعلم (اقرأ، انتبه، رد، أجب، قف، تحرك......)، بدون فعل حقيق مستقل من طرفه، وكأن الدرس أو الحصة هو تدريب على "الانصياع".
3.       نقل المادة من الكتاب المقرر "حرفيا"، والتعامل مع خبرات المنهاج بشكل خطي، وتناولها على ترتيب ورودها في الكتاب المقرر، واتباعه صفحة بصفحة، بعيدا عن ربطها بالخبرات الواردة في نفس المقرر، وبالتالي خبرات المقررات الأخرى وواقع الطلاب واهتماماتهم،  المنهاج ليس نص مقدس، ولا يجب التعامل معه على أنه كذلك، فالخبرات الواردة فيه ليست الأفضل ولا الأصح ولا الأعمق ولا الأكثر شمولية، وربما أحيانا ليس حتى الأكثر مناسبة
4.       عدم استخدام وسائل تعليمية، اواستخدامها بطريقة غير فعالة/ تفاعلية، حيث يميل المعلمون التلقينيون غالبا إلى استخدام وسائل تعتمد على العرض، لمساعدتهم في توضيح الأفكار أو المفاهيم، وبالتالي تبقى ممارسة الطلاب سلبية.
5.       عدم تطور مهارات الطالب والتركيز على الحفظ باعتبارها المهارة الأكثر استهدافا والأكبر تقديرا خلال عملية التلقين، وبالتالي لا يتمكن الطالب من التعامل مع أي معلومات أو مصادر خارجية، كما لا يطور أية مهارات في مجال الوصول إلى مصادر المعلومات وجمعها وتنسيقها وتحليلها على سبيل المثال.
6.       التركيز على العلامة/ الامتحان، بحيث يصبح النجاح أو علامة الامتحان هدف في حد ذاته، بعيدا عن التقدير الحقيقي لما تم تعلمه أو النظر إلى مقدار تطور مهاراته
7.       التركيز على الضبط: من الخطأ التركيز على ترسيخ النظام باعتباره أساس عملية التعلم بأجملها، حتى يتحول لغاية في حد ذاته، فالطلاب حين يلعبون أو يغنون مثلا ليسوا بحاجة لضبط مثلا، وعمل المجموعات يحتاج لقدر من المرونة في الصف لكي يحقق هدفه، وهو ما يمكن للمعلم أن يضحى بفوائده في سبيل الحصول على "صف هاديء ومنضبط"
وينتج عن تلك الممارسات متعلم سلبي هو نواة شخصية سلبية في المجتمع، شخص لا يمتلك المهارات اللازمة لتطوير معرفته في مجال محدد أو توظيف ما يتم تعلمه في الحياة الواقعية، يفتقر للحد الأدنى للمبادرة والعفوية في التعامل مع المشكلات الحياتية، قابل لما يفرض عليه من قواعد، غير راغب ولا قادر على تغييرها، يسهل عليه اتباع الاجراءات والارشادات الموجهة له، بينما يصعب عليه ارتكاب أي فعل أو تفكير مستقل.
الحلول:
يكمن أي حل للخروج من دائرة التلقين الممجوجة، أن يعيد المعلم صياغة دوره وأدوار الطلاب داخل غرفة الصف، وتصميم الأنشطة التي تسمح لهم بالوصول إلى نتائج مختلفة تعبر عن تفكيرهم المستقل، ولعل المدخل الأهم في ذلك هو "انتاج المعرفة" بدلا من تلقيها جاهزة، حيث يتم تحويل المنهاج من نص مقدس إلى "خارطة طريق" ، ويقوم المعلم بتحويل الدروس إلى "خبرات تعليمية" تسمح للمتعلم بالتوجه نحو مصادر مختلفة للمعرفة وجمع المعلومات وتصنيفها وترتيبها وتحليلها، وأن يقوم المتعلم باعادة بناء المعرف وفقا لرؤيته الخاصة، وبالتالي السماح للطلاب بالوصول إلى نتائج مختلفة وآراء متباينة، يناقشونها فيما بينهم للوصول إلى بناء تصورات أمثل..... وهو لب أي عملية تعلم نشط

* تم بناء هذا المقال من خلال "عصف ذهني" مع طلاب التربية العملية، جامعة القدس المفتوحة، فبراير/ شباط 2015







0 التعليقات :

إرسال تعليق