في منزلنا تعلم أصيل: سياقات وتجارب

بقلم: م. أمل أبو زيد


تمر أوقات طويلة في ظل ملازمة المنزل من قبل الأهل والأطفال، كإجراء وقائي في ظل جائحة كورونا العالمية بعيداً عن بيئة التعلم النظامي والمدرسة، وقد يجد الأهل أنفسهم أمام أوقات مهدرة، الأطفال الذين تتسم أرواحهم بالحيوية والفضول قد يجدون المنزل بيئة مقيدة للحركة، ومكانا رتيبًا ومألوفاً لا يجيب عن تساؤلاتهم، في هذا المقال تجد بعض الأفكار الإجرائية في كيفية تحويل هذه البيئة إلى مكان للتعلم الحر والممتع.
التحرر في التعلم داخل المنزل
إنه لتناقض عجيب، كيف يمكن للمنزل بجدرانه التي تحدنا أن نصنع بوابة تطل على العالم بأحداثه وخبراته، كيف يمكن للمنزل بجدرانه أن يشكل بيئة تساهم في تكوين شخصية الطفل وتبني مهارات جديدة لديه في سيمفونية من التعلم واللعب والمتعة.
إن أهم مبدأ يتبناه الوالدان في التعلم الممتع والحر المنزلي هو مبدأ التحرر، والذي تفتقد إليه بيئة التعلم المدرسي، ويمكن للأبوين أن ينخرطا مع الطفل في النشاط نفسه حتى إذا لم يكن لديهم معرفة مسبقة بالنشاط، سيجد الطفل في هذه البيئة ميزات مختلفة، تضمن له الاستمرارية في ممارسة الأنشطة بإرادته الحرة، هذه الإرادة توفر الكثير من المتعة والقليل من الحاجة للحوافز الخارجية؛ لأن الأطفال يتمسكون بما يختارونه من مواضيع ومجالات وأنشطة، فهو يشعر بالمسؤولية تجاه اختياره وهو جزء من تكون الشخصية لديه.

تساؤلات مغايرة ومداخلات:
سؤال: كيف ينخرط الطفل في موضوع النشاط التعلمي الحر في المنزل برفقة الأهل، وكيف نختار الموضوع المناسب؟

أولا: إن أسئلة الطفل تعتبر مدخلاً رائعاً لأفكاره وعالم فضوله، فمن هذه الأسئلة يمكن أن تصمم أنشطة استقصائية وتكاملية، يتوصل الطفل من خلالها للإجابة ويتكسب مهارات متنوعة، فمثلاً: واجه ابني ذات يوم كلمة (التسونامي) فتساءل مستغربًا، ماذا تعني هذه الكلمة؟ إنه مفهوم مركب، يتضمن معرفة مفاهيم أخرى مثل الزلازل وانتقال الأمواج والمحيط والجزيرة، عوضًا عن المكان والزمان المرتبطان بهذا المفهوم، أحضرت ورقة وكتبت في المنتصف كلمة التسونامي، ورسمنا أفرعاً، وكل فرع ينتهي بسؤال، والتي كانت كما يلي مع الإجراءات المصاحبة:
1.ماذا نقصد بالزلزال؟ (مشاهدة فيديو، وتمثيل حدوث الزلزال).
2.أين تقع أماكن حدوث التسونامي؟ (استخدمنا الخرائط والاطلس او الجوجل إيرث).
3.كيف تنتقل أمواج التسونامي؟ (تصميم تجربة من خامات منزلنا مثل وعاء ومكعبات وكيس بلاستيكي، وأثناء التنفيذ كانت لدينا الخطة (أ) والخطة البديلة (ب).
4.متى حدث التسونامي (استعراض تواريخ حدوث الظاهرة باستخدام مصادر الشبكة العنكبوتية، وتوظيف مهارات حسابية في اكتشاف ما إذا كانت الظاهرة قد حدثت قبل ام بعد ولادة الطفل).
5.ما هي الكارثة الحقيقية التي تنتج عن هذه الظاهرة على البيئة والإنسان، وما هي المواقف الإنسانية والتفاعلات بين أفراد المجتمع الحاصلة خلال هذه الظاهرة ( مشاهدة فيلم The IMPOSSIBLE  ).
6. مناقشة الأطفال واستبطان مشاعرهم فيما لو حدث تسونامي على شواطئ فلسطين، والبدائل وطرق الحماية.

ثانياً: توفير زاوية من زوايا المنزل لتمثل بيئة جذب وتعلم ممتع وحر بشكل ثابت، تتوفر فيها اللوحات المعلقة والورق الأبيض والألوان والقصص والكتب والألعاب، الطفل في هذه البيئة يبدع بحرية ومن خلال الملاحظة يستطيع الوالدان التوصل لمواضيع إلهامه، منطلقين منها لتصميم أنشطة ممتعة تناسب ميوله.

ثالثاً: توفر مصادر التعلم المفتوحة على الشبكة العنكبوتية الكثير من الأفكار والأنشطة والنماذج والألعاب التعلمية، مما يعزز لدى الطفل مهارة البحث والاطلاع على خبرات الآخرين والبناء عليها، كما يتعلم المفاضلة بين الأفكار بما يوائم المواد المتوفرة لديه لتنفيذ هذه الأنشطة، فيتحقق التفكير الناقد.

رابعاً: أنشطة مرتبطة بأحداث رائجة تحصل في يومنا الحاضر، إنها فرصة مناسبة لاكتشاف ماذا يحدث حيث يكون الفضول في أقصى درجاته أثناء مراقبة الحدث، ومثال ذلك: اكتشاف مصدر رياح الخماسين التي هبت في أحد أيام فصل الربيع، والتوصل إلى خصائص هذه الرياح من خلال تجربة عملية بسيطة أو ممارسة أعمال تنظيف المنزل من الغبار المصاحب لهذه الرياح.

ختاماً: يجب على المربي أن يتخلى عن فكرة التركيز على مستويات الإتقان فيما يخص النماذج العملية أو المنتجات الفنية أو الأداء العملي، فليس الهدف هو المنتج بحد ذاته وإنما الخبرة والممارسة التي يمر بها الطفل في سبيل تنفيذ المنتج او الوصول إلى المعرفة، كما يجب على المربي تذوق المتعة ومشاركة الطفل الأنشطة والمناقشات الفضولية، فما هي إلا طرفة عين حتى يصبح الأطفال كباراً ناضجين، حقًا إن هذه الأوقات لا تقدر بثمن.





* م. أمل أبو زايد
معلمة في مدرسة خولة بنت الازور الثانوية للبنات
بكالوريوس هندسة اتصالات وتحكم – دبلوم تأهيل تربوي
وزارة التربية والتعليم الفلسطينية

0 التعليقات :

إرسال تعليق