تطوير ذهنية النمو للمعلمين وطاقم المدرسة

ذهنية النمو واحدة من مهارات التعلم الأعمق، فتقدير الطالب لذكائه ومهاراته باعتبارها غير ثابتة وقابلة للنمو والتطور، تدفعه لبذل مزيد من الجهد ومعالجة تحديات قد يشعر أنها تفوقه في مرحلة أولية، ودافع لتجربته العديد من المداخل المختلفة في سعيه لحل مشكلة أو تطوير فكرته الخاصة، ولكي يساعد المعلم طلابه على تطوير ذهنيتهم الأكاديمية بشكل إيجابي، والتعلم من أخطائهم وتجاربهم بما يثري عملية التعلم، يجب على المعلم أولا أن يطو ذهنيته الخاصة في ذلك الاتجاه.
يناقش هذا المقال الأسس النظرية للذهنية الايجابية بناء على أعمال بروفيسورة علم النفس كارول دويك، والتي حازت كتاباتها اهتماما متزايدا في حقل التربية خلال السنوات العشرة الأخيرة، وينتهي إلى مجموعة من الأفكار الهامة التي يمكن أن تساعد الإدارة في نشر هذه الأفكار بين المعلمين
تطوير ذهنية النمو للمعلمين وطاقم المدرسة
Developing a Growth Mindset in Teachers and Staff

أحد الأفكار التي تلقى تأييد متنامي في دوائر التربويين في اللحظة الراهنة، هو مفهوم عقليات النمو في مقابل الثبات، وكيف يرتبط هذا بالطلاب والتعلم، بناء على كتاب كارول دويك  Carol Dweck العالمة السيكولوجية من جامعة ستنافور Stanford University، فإن فكرة الذهنية ترتبط بفمهنا لمنبع قدراتنا، مؤخرا أصبحت الفكرة كأداة لفحص معرفتنا عن إنجاز الطلاب للعديد من الأكاديميين ، وكذلك الوسائل التي قد يمكن من خلالها تحسين هذا الإنجاز.

خلال عملي، على أية حال، وجدت أن مفهوم تطوير ذهنية النمو يمكن تطبيقه على أداء المعلمين والطاقم كما على أداء الطلاب، يبدأ هذا المقال بنقاش موجز حول الفرق بين العقليتين، وما الذي يعنيه هذا للتعليم، وسننتهي إلى استخلاص بعض الأفكار حول كيف يمكن للقادة المدرسيين تطوير ذهنية النمو  وسط طواقمهم.

مع حلول الألفية، تمكنت كارول دويك من تطوير مقياس تدريجي يمكن من خلاله تحديد موقع الأفراد وفقا لفهمهم من أين تنبع قدراتنا، على أحد طرفي المقياس يقع هؤلاء الذين يظنون أن النجاح أو الفشل مرجعه إلى قدرة فطرية، وهم من تصفه الباحثة ب"النظرية الثابتة للذكاء" ، وناقشت أن ذلك هو ما يفضي إلى "ذهنية الثبات"، وفي المقابل، على الطرف المقابل يقع هؤلاء الذين يؤمنون أن النجاح مبني على "ذهنية النمو" أي أن النجاح يرجع للتعلم والمثابرة والعمل الدؤوب.

طبقا لدويك:
" في ظل الذهنية الثابتة يؤمن الطلاب أن قدراتهم الأساسية وذكاءهم ومواهبهم هي سمات ثابتة، لدي قدر محود من هذا وقدر محدود من ذاك/ ومن ثم فإن هدفهم أن يظهروا كأذكياء طوال الوقت لا كأغبياء، أما في ذهنية النمو فإن الطلاب يدركون أن مواهبهم وقدراتهم يمكن أن تتطور من خلال الجهود والإصرار والتدريس الجيد، لا يعني ذلك أن كل البشر متطابقون في القدرات أو أن بإمكان أي واحد أن يصبح آينشتاين، ولكنهم يؤمنون أن أي طالب يمكنه أن يصبح أذكى إذا ما عمل لذلك" (Morehead 2012)

النقطة الجوهرية هنا هي أن كلا من هاتين العقليتين لها تأثيرها على فهم الفرد للنجاح والفشل، أصحاب الذهنية الثابتة يرهبون الفشل، يشعرون أن له إنعكاس سلبي على أنفسهم كأفراد، أما أصحاب ذهنية النمو فعلى العكس من ذلك يعتقدون أن الفشل هو فرصة للتعلم وتطوير قدراتهم.

غني عن القول أن لفكرة "الذهنية" انعكاس كبير على التعليم، واحد من أهم هذه الجوانب المرتبطة بها هو "التغذية الراجعة"، وطبقا للباحثة، عندما نمدح الطلاب وكم هم ماهرون (وهو ما نقوم به عادة كمعلمين لمساعدة الطلاب على بناء ثقتهم بأنفسهم وتشجيعهم)، فإننا فعليا قد نكون قد شجعناهم ليطوروا ذهنية ثابتة، مما يمكن أن يحد من فرص تطورهم الأكاديمي، وعلى الجانب الآخر، إذا ما مدحنا الطلاب على العمل الدؤوب وطريقة التفكير وحل المشكلات التي انخرطوا بها، فإننا بذلك نساعدهم على تطوير إمكانات النمو.

يجب علينا أن نرسل الرسالة الصحيحة لطلابنا، إن ما أحترمه هو  معالجتكم لمهمة صعبة تشكل تحديا، ما أنا معجب به هو محاولتكم لاستخدام عدة استراتيجيات في معالجة فكرة تؤمنون بها، إن هذا الكفاح يعني أنكم ملتزمون بشيء ما ومستعدون للعمل الدؤوب من أجله، إن ما يجب أن يسأله الأهل حين يجتمعون حول الغداء والمعلمون في الصفوف "من كان في نضال رائع اليوم؟"  (Morehead 2012)

طبيعة المديح يمكن أن يكون لها تأثير قوي على الطلاب: نقلا عن دراسة طولية مع طلاب الرياضيات في عمر السابعة، أوضحت أن الطلاب أصحاب ذهنية النمو هم أكثر احتمالية للقيام بالأعمال الصعبة (التي تشكل تحدي) والنجاح فيها، بشكل أكبر بكثير من الطلاب ذوي الذهنية الثابتة، حتى لو كانت كل العوامل الأخرى متساوية.
وارجعت دويك وزملائها ذلك إلى تطور الذات الذي يحدث أثناء تكون ونمو هذه العقليات، حيث يترافق الاحساس بالعجز   وقلة الحيلة مع الذهنية الثابتة، مما قد يؤدي إلى تطور شخصية انهزامية، تترافق مع تصريحات شخصية سامة التأثير مثل :أنا غير قادر على فعل هذا" أو "أنا لست بارع بالقدر الكافي لكي أقوم ب....."، وعلى الجانب الآخر، فإن ذهنية النمو  غالبا ما تشجع الطلاب على تطوير احساسهم بالتمكن، حيث يبدأ الطلاب في رؤية كيف يمكنهم أن يقوموا بما يؤثر ايجابيا في تعلمهم، وفي مجتمعهم أيضا.

 كذلك فإن الذهنية تنبؤنا بمستوى دافعية الطلاب وإنجازهم طبقا لبعض البحوث:
الطلاب ذوي ذهنية النمو  محفزين بشكل أكبر للتعلم وبذل الجهد، ويفوق أدائهم في الرياضيات ذوي الذهنية الثابتة بشكل ملحوظ، وهي أحد الأشياء التي ظهرت في نتائج الدراسة الطولية السابقة حول الصف السابع، فعلى مدى عامين كان الطلاب من كلا العقليتين يدخلون الصف السابع بنفس المستوى السابق، لكن بسبب ذهنيتهم الخاصة فإن علاماتهم تبدأ في التمايز مع الوقت وكلما ازدادت التحديات كما وكيفا  (Blackwell, Trzesniewski and Dweck, 2007)

وبشكل حاسم، فإن نتائج بحث ديوك تنطبق على كل الناس، وليس الطلاب فحسب، ولهذا يمكن للقادة التربويين أن يسألوا أنفسهم ما الذي يمكن أن يساعد في تطوير  ذهنية النمو عند طواقم التعليم في المدارس؟ لحسن الحظ فإن العديد من المربين والمعلمين قد بدأوا بالفعل في تفحص المفهوم وكيف يمكن تطويره عند المعلمين:

النمذجة:
طبقا لجاكي جريشتين Jackie Gerstein، فإن المعلمين المحبين الطلاب الذين يدرسونهم، يمكنهم أن يتعلموا كيف يطوروا ذهنية النمو، ولكن هذا يحتاج إلى تخطيط حريص من إدارة المدرسة، ومن أكثر الطرق التي يمكن استخدامها هي استخدام النمذجة في التطوير المهني للمعلم، وقد قمت  بتطبيق العديد من مساقات التطوير بهدف تدريب المعلمين على كيفية تطوير ذهنية النمو لدى الطلاب، وأحد المفاتيح الرئيسية لتحقيق ذلك هي تشجيع المعلمين أنفسهم كمتعلمين، يحققون التقدم والتعلم من خلال ذهنية النمو، كما الحال مع الطلاب  (Gerstein 2014)

خلق مساحة للأفكار الجديدة
المبدأ الثاني هو أن توفر المدرسة للمعلمين الفرصة لتجربة أشياء جديدة والقيام بأخطاء، قد يبدو هذا شاقا للمعلمين، ولكنه أساسي لتطوير ذهنية النمو، فبالنهاية، ما عماد ذهنية النمو إلا الرغبة في تجربة مداخل جديدة، الذي هو الهدف وراء خلق هذه المساحة، من المهم أن نبدأ ذلك وهدفنا هو التعلم، حيث يتعلم المعلمون والمدرسة كجزء من هذه العملية من هذه الفكرة الجديدة ، أكثر منها قصة نجاح أو فشل لها.

توفير وقت للتأمل الذاتي
إن خلق مساحة للأفكار الجديدة، على أهميته، ما هو إلا جزء من عملية تطوير ذهنية النمو، ومن المرتبط بها والمساوي لها في الفاعلية، هو توفير فرصة للمعلمين للتأمل في أفكارهم والاعتبار  ما تعلموه من تطبيق الأفكار الجديدة، بشكل مثالي، يجب أن يركز هذا التأمل بشكل أقل على نجاح أو فشل الفكرة، بقدر ما هو على ما تعلمه المعلم منها.

التغذية الراجعة التكوينية (البنائية/ المرحلية)
أداء المعلمين لخلال إدارة هذه العملية قد يصيبه الاختلال أو الاحباط بشكل من الأشكال ، على أية حال، ولكي تصبح العملية جزءا من تطوير ذهنية النمو، يجب أن تكون التغذية الراجعة مرحلية وتفصيلية لا إجمالية، ودعوة المعلم للمشاركة فيها، كما أن التغذية الراجعة أكثر معنى وفائدة كلما ارتبطت بممارسات المعلمين اليومية.
إن تطوير ذهنية النمو لدى الطلاب ليست عملية وقتية، بل هي بالأحرى بحاجة لتضافر كل الجهود من المعلم وكل المجمتع المدرسي، وبشكل مساوي، تشجيع المعلمين ليروا أنفسهم في نفس الطريق سيأخذون نفس كمية الوقت، على أية حال، هناك العديد من الفوائد الهامة التي يمكن أن نجنيها من إثارة هذه الأفكار.
كاتب المقال: كيث هيجارت Keith Heggart 
عنوان المقال الأصلي:





0 التعليقات :

إرسال تعليق