8 طرق لتوظيف الفن في التدريس

يقع الكثير من المعلمين في خطأ إهمال الفن من برنامجهم لتطوير مهارات طلابهم، حيث تساعد التربية الفنية الطلاب على تطوير ملكاتهم، وبصفة خاصة القدرة على إصدار الأحكام بشأن العلاقات التي تربط بين العناصر، وتعلمهم الدقة حيث أصغر الفروق قد تؤدي لاختلافات كبيرة، وتوجههم نحو التأمل في العمل قبل وأثناء وبعد الانتهاء منه، وبما تتيحه لهم من خيارات كبيرة في أشكال التعبير والصيغ والخامات، فإن التربية الفنية تنمي قدرتهم على المفاضلة والانتقاء بين البدائل.

أما الدرس الأساسي الذي يتعلمه الطلاب من خلال الفن، فهو أن أي مشكلة تمتلك قدر لا نهائي من الحلول، وأي سؤال يستدعي استجابات مختلفة، حيث تعبر كل منها عن قدرة على وضع إجابة السؤال في صياغة متفردة، وأن الأهداف ليست محددة وثابتة، إنما تنمو وتتطور من خلال الاستغراق في العمل، كما تزودهم بخبرة عميقة تساعدهم على تنمية مشاعرهم واكتشاف ما هم قادرين حقا على إنجازه.

وفيما يلي مجموعة من الطرق التي يمكن من خلالها دمج الفن في صلب العملية التعليمية، وهي في معظمها مجموعة من الخبرات التي تطورت من خلال العمل مع طلابي على مدار السنوات السابقة، أو من خبرات زملائي المعلمين المبدعين الذين أثروا تجربتي التعليمية:

·        التعليم القائم على الصنع Maker Education

الفكرة الأساسية في التعلم القائم على الصنع هو قيام المستخدم بصنع منتجات (آلات، أدوات، أجهزة، تطبيقات....) تلبي احتياجه الشخصي بشكل أولي، ومن ثم تلبي احتياجات الآخرين في المجتمع الذين يتشاركون معه في نفس الحاجات والاهتمامات، وعادة ما يلجأ الشخص إلى إعادة تدوير قطع من منتجات أو أجهزة أخرى، ليتمكن من إنجاز مشروعه.

ويعد المبدأ الأساسي في ذلك هو "اصنعها بنفسك" Do it yourself   أو اختصار DYI، حيث تنتشر المصادر الحديثة التي تشرح كيفية صنع الآلات أو الأدوات المختلفة، بطريقة مبسطة وعملية وواضحة خطوة بخطوة.
وفي الصف، يبدأ التعليم القائم على الصنع بإثارة تعاطف الطلاب مع قضية أو مشكلة معينة، يمكن من خلال جمع المعلومات وتحليلها أن يتوصلوا إلى منتج ما (أداة أو جهاز أو تطبيق) يمكن أن يساعد في سد حاجة فعلية لدى المستخدمين، ومن ثم يبدأ الطلاب على شكل مجموعات في وضع التصميم الأمثل وعرضه على المجموعات الأخرى وتلقي الانتقادات والتعليقات حول مخطط المنتج، ومن ثم تبدأ عملية تحديد احتياجات المنتج، وكيفية الحصول عليها، ومن ثم مرحلة التنفيذ، وخلال كل تلك المراحل يواجه الطلاب مجموعة من المشكلات التي يجب عليهم التغلب عليها.

وتلعب التربية الفنية دورا هاما في توجيه الطلاب نحو تحقيق هدفهم، من خلال اختيار التصميم الملائم، وتحديد المواد والمكونات اللازمة، ووضع التصميم النهائي للمنتج في صورة جذابة للاستخدام.

·        التعلم القائم على التصميم Design based learning

يعد التعلم القائم على التصميم واحد من التنويعات الحديثة على التعلم القائم على المشاريع، ويهدف لجسر الفجوة  بين التربية الفنية والمقررات الأخرى من جهة، وبين العلوم والدراسات الاجتماعية واللغوية من جهة أخرى، وينصب على تنمية قدرات الطلاب في "حيازة المعلومات" أو بمعنى آخر تذويتها وتحويلها إلى جزء من معرفتهم الخاصة وتوظيفها بشكل جمالي، يقوم الطلاب خلالها بالاعتماد على الكثير من المبادئ التي تعلموها من العلوم الأخرى.

وينطلق التعلم القائم على التصميم بإثارة فضول الطلاب تجاه قضية أو مشكلة ما، يتم صياغتها على هيئة تحدي يثيره المعلم أمام الطلاب، من خلال نقاش مدخلي حول موضوع التصميم، وتلعب قدرة المعلم على إشعار الطلاب بأهمية الموضوع ومدى تماسه مع حياتهم واهتماماتهم دورا كبيرا في إنجاح العمل، ينطلق الطلاب بعدها للبحث عن المعلومات المتعلقة بالموضوع، وإعادة "فلترة" هذه المعلومات وتحليلها وتنظيمها للخروج بالعناصر الأساسية في النموذج الأولي، الذي يتم تبادله مع المجموعات الأخرى لتلقي التغذية الراجعة من الآخرين، قبل إنتاج النموذج النهائي للتصميم.

وفي كل هذه العملية، يلعب الفن المحور الأساسي لدمج هذه المعلومات في عمل جذاب ومعبر، وفي اختيار الأشكال والألوان والخامات المطلوبة لنموذج التصميم، ، ويساعد على دمج الأفكار التاريخية والاجتماعية مع المبادئ العلمية والراضية والهندسية للتصميم، وبدون تلك النزعة الفنية الحاسمة، يفتقد التصميم روعته وفكرته الأساسية.

·        طرائق التعليم القائمة على الدمج بين (العلوم والتكنولوجيا والهندسة والفن والرياضيات)STEAM

ظهرت طرق التعليم القائمة على الدمج بين العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات إلى الوجود في المدارس الأمريكية في نهايات القرن الماضي تقريبا، كبرنامج طموح يهدف لتحسين معدلات أداء الطلاب الأمريكان في المنافسات العالمية العلمية من جهة، ولتحفيز عوامل الإبداع والابتكار من جهة أخرى، ثم توسعت الفكرة وتم اعتمادها في العديد من أنظمة التعليم كواحد من طرق التعليم المفضية إلى المستقبل، ولم تلبث الأبحاث أن أشارت إلى ضرورة تبني الفن كجزء من طريقة STEM، من أجل المساعدة على تحقيق أهدافها، من حيث زيادة الروح الابتكارية والتفرد واستقلالية الذهن، وبالتالي هضم المفاهيم وتوسعة قاعدة الملتحقين بصناعات الإبداع، وتحولت من STEM إلى STEAM (A from Art)

وتتعدى هذه الطريقة الرؤية العادية للتعليم باعتباره عملية اكتساب المعلومات أو حتى تطبيقها، لفتح آفاق الإبداع أمام الطلاب، حيث يقوم الطالب بعملية ملاحظة ظاهرة ما وإعادة تصورها ذهنيا وبصريا، ومن ثم تحويل أفكاره إلى خوارزمية يمكن التعبير عنها بشكل رقمي، ومن ثم توظيفها في بناء جهاز أو أداة تقنية قادرة على أداء مهمة محددة، بدءا من الأجهزة المنزلية وحتى الأعمال الصناعية وتطبيقات الفضاء.

وبينما يساعد الفن الطلاب على تطوير قدرتهم على الملاحظة والتصور الذهني ودمج الأفكار والروح الإبداعية، فإنه من جهة أخرى يساعدهم على التعبير عن ابتكاراتهم وتطويرها بشكل فني وجمالي جذاب، حيث في النهاية يلعب الشكل الجمالي للمنتج دورا في الحصول على الاستحسان أو الإعجاب.

·        اللوحات والأعمال الفنية

في مقابل الصور المستخدمة في الكتب المقررة بما فيها من سوء التكوين وفقر التفصيلات وانعدام الذوق، تمثل الأعمال الفنية واللوحات العالمية معين لا ينضب أمام الطلاب للتأمل وإدراك التفصيلات وبناء العلاقات والتحليل البصري والمفاهيمي، ويساعد ذلك على تكوين ثقافة علمية سليمة ومنفتحة وحس سليم بالجمال، وبناء رؤية أكثر عمقا للموضوعات والمفاهيم والأفكار في مجال التعلم.

ويتطلب توظيف الأعمال الفنية داخل غرفة الصف إلى توفير مساحة هامة من زمن التعلم للتأمل، وإعطاء الفرصة الكافية لكل طالب لكي يتمكن من الاستغراق في العمل الفني وتدبر مفرداته وبناء العلاقات بينها، بما يسمح له بالدخول بشكل أعمق إلى المفهوم، كما يجب أن يقوم المعلم بإدارة نقاش حول العمل الفني، وما يطرحه من مفاهيم وأفكار، والسماح لكل طالب بالمشاركة وتطوير وجهة نظر مستقلة تجاه العمل، والتعبير عن هذه العلاقة بين العمل الفني والمفهوم بشكل ذاتي، والسماح لهم بالعمل معا على جمع أفكارهم سويا.

ولا يتوقف العمل هنا عند حدود التأمل، بل يجب أن يقوم الطلاب بناء على المناقشات التي دارت في الصف بالعمل على مشروعهم الفني الخاص، سواء من خلال التعبير الكتابي أو الرسم أو النحت أو الموسيقى....أو أي شكل من أشكال التعبير الفني، ضمن مهمة واضحة الأهداف تسمح بهذا الاختلاف بين استجابات الطلاب، وتوضح مدى تمثلهم للمفاهيم وقدرتهم في التعبير عنها.

·        اللوحات الحية

تنتمي اللوحات الحية إلى الفنون الحركية (مثل التمثيل ولعب الأدوار والرقص) تعتمد اللوحات الحية في مبدأها على المزج بين الجوانب المعرفية والوجدانية والحركية في كل واحد يعبر عنه أداء الطالب أو الطلاب، في تقمصهم للوحة أو عمل فني مشهور، أو ابتكارهم لعمل فني أصيل يعبر عما يجول بأذهانهم من أفكار تجاه موضوع أو قضية معينة.

وتعتمد اللوحات الحية على التأمل والتعمق في التفاصيل، والنقاشات المعمقة حول المعاني والأبعاد والعلاقات المكانية، وحرية التفسير والتجريب، وتعتمد على العمل الجماعي وتقسيم الأدوار داخل كل مجموعة (مخرج، ممثلون، مقيمون أو مناقشون)، وتبادل الملاحظات بين المجموعات بحرية.

ويمكن لكل مجموعة أن تختار أو تبتكر عملا فنيا حول موضوع التعلم (حدث تاريخي، قصيدة، مسرحية، مناسبة اجتماعية...) ومن ثم مناقشة العمل الفني وأسباب اختياره وتوضيح العلاقات التي يمثلها وكيف يمكن تقمصها أو تعديلها لتناسب المفهوم الذي يتبناه الطلاب، يمكن بعد ذلك أن يقوم الطلاب بالتفكير في التجهيزات والأزياء (يمكن أن يوكل إلى أشخاص محددين)، ومن خلال تجارب الآداء يقوم المخرج والمقيمون بملاحظة أداء الممثلين واقتراح التعديلات عليه ومناقشتها بشكل جماعي، يفضل في النهاية أن يتم تصوير اللوحة النهائية من زوايا متعددة والسماح للطلاب بالتأمل في تجربتهم بناء عليها.

·        القصائد

من وجهة نظري الضيقة، يخسر الشعر كثيرا من روعته بسبب تدريسه بطريقة تقليدية ضمن منهاج بارد ومغلق، وفي التجارب المميزة التي شاهدتها، كان الشعر يكتسب حيويته من خلال دمجه في الحياة اليومية للطلاب، ليس كمادة دراسة ولكن كمحفز على التفكير وعامل مدخلي لربط موضوعات التعلم بالأحداث المعاصرة، وللشعر خاصية هامة لأنه يكاد يكون اللون الفني الرئيس المميز للغة العربية، إلا أن تراجع في السنوات الأخيرة (ملاحظة شخصية أيضا) لصالح أشكال الفنون الأخرى.

وكما يصلح الشعر لتعميق وتدريس كافة الفنون اللغوية، سواء من خلال الإلقاء المجرد أو المصحوب بالموسيقى، فالتنوع في ألوان وموضوعات الشعر الحديث تسمح بتوظيفه في شتى المواقف العلمية والإنسانية، يفتح مجالات هامة لتطوير الفكر النقدي والحس الجمالي، ويفسح مجالا هاما للنقاش وطرح وجهات النظر الشخصية.

ويساعد توظيف الشعر في الربط بين موضوعات التعلم على شحذ الحس الجمالي للطلاب، وتحفيزهم على التعبير عن آرائهم بلغة سليمة ومعبرة وراقية، ويمكن دوما للمعلم أن يطلب من الطلاب بناء على قصيدة أن يعبروا عن الأفكار الواردة فيها أو معارضتها كتابة أو رسما أو أيا من أشكال التعبير الأخرى.

·        مشاريع الفيديو

يعد التدريس باستخدام "مشاريع الفيديو" أحد أشكال التدريس المعتمد على عروض الطلاب المدعومة بالوسائط المتعددة، ويقوم مبدأ عمله على أن يختار كل طالب أو مجموعة من الطلاب مفهوما أو موضوعا ما من موضوعات التعلم، وجمع المعلومات حول المفهوم وتحليل هذه المعلومات وتفنيدها وتنظميها بالشكل الملائم، ثم تحويل هذه المعلومات إلى وسائط متعددة وفقا لسيناريو محكم ومكثف.

ويتم الاتفاق من البداية على مجموعة من المعايير التي يتم التقويم وفقا لها، مثل الدقة والتكثيف والتناسق بين عناصر العمل والجوانب الفنية، وإعداد سلم تدريجي لفظي Rubrics لتقويم كل عمل، وبالتالي تصبح تجربة تقويم الطلاب لأنفسهم فرصة لتعميق الخبرات والمفاهيم.

وتزود هذه الطريقة الطلاب بالمهارات التي غالبا ما لا يسمح التدريس الصفي العادي بتناولها، مثل مهارات البحث عن المعلومات وتفنيدها وتكثيفها، وتحليل المعلومات وتنظيمها، والعمل على تحويلها من شكل إلى آخر، بالإضافة إلى مهارات الكتابة الإبداعية والتخيل وإعداد السيناريو، وكذلك تطوير مهارات التعلم الذاتي عند الطلاب من خلال العمل على برمجيات جديدة، ودمج الجوانب العلمية والفنية في منتج واحد، مما يسمح بإطلاق قدرات الطلاب واستكشاف مواهبهم، في سياق تعليمي إبداعي.

ولا يمكن انهاء تلك القائمة من الفنون المستخدمة في التدريس، بدون التطرق إلى الكاريكاتير العلمي، حيث يعد توظيف الرسوم الساخرة في المواد العلمية من الطرق التي تساعد على إثارة النقاش من جهة، وزيادة معدل الاحتفاظ بالمعلومات من جهة أخرى، في إطار سلس ومرح يثير بهجة الطلاب، وشخصيا أفضل دائما أن يتم تحدي الطلاب أن يقوموا بمعارضتها أو تقديم أفكار أخرى على نفس الفكرة العلمية


0 التعليقات :

إرسال تعليق