الاستكشاف الجماعي الموجه

الاستكشاف الجماعي الموجه
Collective exploration oriented

يعد الاستكشاف هو الدافع الأول نحو المعرفة، والنمو المعرفي واللغوي للطفل هو استجابة لحاجته لاستكشاف العالم المحيط والتعبير عنه من وجهة نظره، والاستكشاف الجماعي واحد من الأنشطة التي يمارسها الأطفال بشكل عفوي، خلال اللعب والتنقل في الجوار واستكشاف البيئة المحيطة كجماعات الأقران، حيث يتم التعرض بشكل عشوائي لأشكال مختلفة من الخبرة، يقوم الأطفال بترتيبها وتفسيرها وفقا لمعارفهم الجمعية، وغالبا ما تشكل تلك الخبرات أساسا لاهتماماتهم وميولهم المبكرة.

ويعود الفضل إلى توظيف الاستكشاف الجماعي بشكل ممنهج في العصر الحالي إلى العالم الهندي سوجاتا ميترا، ومشروعه نافذة في الحائط Sugata Mitra's Hole in the Wall، والذي عمل على توفير جهاز حاسوب في أحدى الحوائط في المناطق الفقيرة في الهند ، بحيث يكون موصلا بالانترنت أو محملا بمواد تعليمية، وتركه أمام الاستخدام الحر للأطفال، ،  وتم قياس النتائج التي أثبتت أن الأطفال بالتعاون مع بعضهم البعض ودون تدخل من الكبار، استطاعوا أن يكتسبوا كم كبير من المعارف والمهارات المرتبطة بالحاسوب (استخدام الوظائف الأساسية للحاسوب، الرسم بالحاسوب، الكتابة، تصفح الانترنت....)

نموذج لواحدة من محطات "فتحة في الحائط"

وفي تطوير لاحق للتجربة، قام بروفيسور ميترا وفريقه بتوفير حواسيب مزودة بمحتوى تعليمي في القرى الأكثر فقرا وتهميشا في الهند، في أماكن يسهل على الأطفال استخدامها، للتغلب على النقص في المعلمين، وقد أثبتت التجربة فاعليتها في اكتساب الطلاب بشكل جماعي للمعارف عن طريق الاستكشاف ومساعدة بعضهم بعضا، وبالإضافة إلى المواد التعليمية المقصودة، وجد أن الطلاب قد اكتسبوا تقريبا نحو 200 كلمة إنجليزية جديدة، مثل الأوامر الخاصة بالحاسوب، واستطاعوا توظيفها في جمل ومواقف جديدة.

أما التعلم بالاستكشاف الجماعي الموجه، فيتم من خلال تحديد مهمة للطلاب يجب عليهم إنجازها في وقت محدد، وإرشادهم إلى كيفية الوصول إلى المصادر الخاصة، مع اعطائهم حرية التفاعل فيما بينهم، مع توضيح التعليمات والإرشادات اللازمة، والتي يمكن أن تكون محل للتفاوض أو التخطيط المشترك مع الطلاب.

استخدمت الاستكشاف الجماعي الموجه على سبيل المثال مع مجموعة من طالبات السنة النهائية لإعداد المعلمين، وكان الهدف هو توظيف الانترنت في العملية التعليمية، حددت لهن مجموعة من الأدوات، قسمتهن إلى مجموعات، وحددت الهدف أو الأداة الخاصة بكل مرحلة، وطلبت منهن توظيفها في مجال عملهن أو تدريبهن كمعلمات، وتكون الاختبار من امتحان عملي ثنائي حيث قامت كل طالبتين بالعمل معا على تأدية مهمة، وامتحان نظري حول المفاهيم المتعلقة بتوظيف الانترنت في عملية التعليم، وقد لاحظت وجود فارقين مهمين عن المجموعات الأخرى:

الأول: سلاسة الاستخدام والألفة مقارنة بالمجموعة التي تلقت تدريبا مباشرا حول نفس الأدوات.

الثاني: القدرة على اشتقاق المفاهيم والاستخلاصات النظرية من الممارسة، وهو ما يمكن أن ندعوه بالمعرفة الإجرائية، التي تشكل جانبا هاما من المعرفة والتعلم في وقتنا الحالي.



وفي تجربة لزميلة، حول استخدام الاستكشاف الجماعي الموجه لطلاب الصف الثامن، وهدفت من خلالها لتوظيف التصميم ثلاثي الأبعاد في مجال التعلم، حيث تم تقسيم الطلاب إلى مجموعات، وطلب من كل منهم أن تختار أحد النماذج في مجال العلوم، وتحويلها باستخدام الحاسوب إلى مجسم ثلاثي الأبعاد، الطلاب، والذين لم يكونوا على ألفة معظمهم بهذا النوع من البرمجيات، استطاعوا تحقيق الهدف بكفاءة، والعمل معا ليس فقط لاكتساب المهارات البرمجية اللازمة، ولكن أيضا لإتقان المفاهيم العلمية الكامنة خلف كل نموذج.


ولا يعد التعلم بالاستكشاف الموجه إستراتيجية مستقلة، بل بالأحرى مبدأ موجه للعمل أو مجال واسع للعمل مع الطلاب، وهو يصلح مع مختلف المراحل العمرية، مع مراعاة مناسبة المهمة والإرشادات لطبيعة الطلاب، إلا أنه يكتسب أهمية خاصة في مجال تعليم الكبار والتطوير المهني، وخصوا في مجال تعلم البرمجيات المختلفة.

مجموعة من الملاحظات تحسن العمل ضمن الاستكشاف الجماعي الموجه:
1.     دور الرياديين: في كل مجموعة ستجد طالبا رياديا، إما لامتلاكه "بعض" المعلومات أو الخبرة عن المهمة المحددة ما يشجعه على المضي في الاستكشاف، أو يمتلك الجرأة على الاستكشاف، وهو ما يشجع الآخرين أيضا، أعطه الدور المناسب له وشجعه على نقل خبرته إلى الآخرين.
2.     حدد المراحل والسقالات: من أجل تسهيل المهمة وضمان إتقان المشاركين للخبرات المطلوبة، قم بتقسيمها إلى مراحل فرعية، لكل منها أهدافها ونقاطها المرجعية، لتشكل محطات للتأمل في الخبرة المكتسبة، قم بتجهيز مجموعة من الأنشطة أو المصادر المختلفة أو محطات التعلم، التي قد يلجأ لها الطلاب عند تعثرهم في مرحلة ما.
3.     ابقاء تدخلك عند الحد الأدنى: حاول أن تقتصر في تدخلاتك على تيسيير أو تسهيل عمل المجموعات، بما يضمن سير العمل وفق المخطط، لكن بشكل عام لا تتدخل في عمل الطلاب، افسح لهم مجال لاكتشاف أخطائهم ومعالجتها.
4.      الالتزام بالوقت: واحد من العوامل التي تساعد الطلاب على إتقان المهمات المطلوبة هو الالتزام بالإطار الزمني للمهمة ككل وبكل مرحلة على حدة، ويساعدهم على توظيف جهودهم وتكثيفها، ودعم بعضهم بعضا في المهما المختلفة، مما يساعد على تطوير مهارات التعاون والعمل الجماعي والمسؤولية والمحاسبة الذاتية لديهم.
5.     وضوح التعليمات والمعايير: حاول أن تبقي التعليمات بسيطة قدر الامكان، وتأكد من فهم كل مجموعة وكل طالب للمطلوب منهم، وكذلك من الأفضل اشراكهم في تحديد المخرج النهائي الذي هم بصدده.
6.     المرونة: البيئة التعليمية معقدة ومتشابكة، وقد تحدث العديد من الأمور التي تعيق سير العمل خارجة عن إرادة الطلاب أو مجال تأثيرهم، تجهيز خطط وبدائل لكل مرحلة يساعد في التغلب على الكثير من العقبات.
7.     التصور المفاهيمي conceptualization: أحد الميزات الأساسية التي يكتسبها المتعلمون من الاسكتشاف هو القدرة على تحويل خبراتهم إلى معارف، واستخلاص المفاهيم العلمية، زودهم بالأنشطة التي تساعدهم على بناء مفاهيم التعلم من منظورهم الخاص ومن واقع تجربتهم.
8.     التأمل المستمر: يعد التأمل عنصر رئيس من عناصر الاستكشاف، من الجيد أن يمارس الطلاب التأمل عقب كل مرحلة، وفي نهاية التجربة، حاول أن يكون تأملهم وظيفيا بحيث يساعدهم على استكشاف خبراتهم وما أتقنوه وما هم بحاجة لدعم فيه، وأن يشمل التأمل كافة عناصر التعلم، وأن يساعدك التأمل (تأمل الطلاب وتأملك الخاص) على تحسين اجراءاتك وطريقة إدارتك للعمل في المرات التالية.

وأخيرا، فإن خبرتي كمعلم علمتني، أن التعلم بالاستكشاف لن يحقق نتائجه، إلا إذا سمحت لنفسك أن تتعلم مع طلابك ومنهم، أن تكون منفتحا على الخبرات الجديدة، لتحقق أقصى فائدة من التجربة، ولتقدم لهم مثالا على التعلم والنمو المستمر.


0 التعليقات :

إرسال تعليق