مراجعة لكتاب
"عبور التخصصات والخطابات – الجزء الثاني" تأليف وائل كشك- 2025
عبور الخطابات البصرية: من الفن إلى السينما عبر الفوتوغرافيا والكاريكاتور
والتصورات الذهنية
يندر أن يجمع
كتاب بين الجدية العلمية والمتعة في آن، وتزداد الصعوبة حين يكون هذا
الكتاب عملًا تأسيسيًا يعالج واحدة من أكثر قضايا التعليم تعقيدًا اليوم: عبور
التخصصات والخطابات.
هذا الكتاب،
الذي يشكل الجزء الثاني من سلسلة رباعية، يمنح القارئ المتخصص مرجعية
علمية رصينة، ويوفر للمعلم المهتم نوافذ متعددة للرؤية وتطبيقات مرنة،
بل ويغري المعلم المتردد أو المبتدئ بجسر الهوة المعرفية بالشغف والتجريب. أما
القارئ غير المتخصص، فسينعم بـرحلة تأملية ممتعة في فضاءات البصر والفن
والتفكير.
لا أزعم مبكرًا
أنه موسوعي قبل الاطلاع على باقي الأجزاء، لكن يمكنني القول باطمئنان: هذا
الكتاب يؤسس لتيار فكري وعملي جديد، مبني على تجربة راسخة وفكر واسع الإطلاع، عابر
للتخصصات وموجه للمستقبل.
دعني أقدّم
مثالًا واحدًا على لذّة هذا النص:
عند تناوله
لعبور الخطاب السينمائي نحو بيداغوجيا متعددة التخصصات، يستحضر المؤلف فيلم To Kill a Mockingbird،
في نشاط عملي، ويترجم العنوان إلى: "أن تقتل عصفورًا بريئًا".
هذه الترجمة
البسيطة تقفز مباشرة إلى الحكمة العميقة التي يجسّدها النص، بدلًا من الترجمات
التقليدية مثل "العصفور المحاكي" أو "السّاخر"، وهذا بالضبط
ما يفعله هذا الكتاب مع مجمل المفاهيم التي يتناولها: يُزيح عنها الغبار، ويعيدها إلى
مدارها الإنساني والفني والفكري.
المعلم في عبور
الخطابات
الكتاب لا يقع
في فخ التنميط الأكاديمي، حيث يُختزل المعلم إلى مهارات واستراتيجيات، بل يرسم
ملامح المعلم الفلسطيني الأصيل — الحر، المفكر، المبدع، القادر على إلهام طلابه
وقيادتهم نحو مغامرات معرفية/جمالية تُعيد إنتاج الذات عبر التعلم.
عملية التعليم
هنا لا تُرى كأداء وظيفي، بل كفن حي، متجدد، إنساني، ومفتوح على التأمل والتطور
الذاتي.
لماذا يجب أن
نستمر في كتابة الكتب؟
رغم أن الآلات
تزداد تفوقًا في التحليل والصياغة، إلا أنها تفتقر إلى الدفة، والتأمل،
والبوصلة القيمية. وهي حكمة عملية مشبعة بالجوانب
التأملية والقيمية
هذا النوع من
الكتب – الذي لا يكتفي بإنتاج المعرفة، بل ينقلها نحو ممارسة الحكمة – هو ما
يجب أن يستمر البشر، في كتابته، للإنسان، ولتتعلم من الآلة أيضًا.
عبور التخصصات
هو المستقبل الآن
لقد أصبحت
المعرفة متاحة بضغطة زر.
لكن التحدي
الأكبر الآن هو: كيف نديرها؟
في عالم يتجه
نحو الوظائف المتعددة والمهارات القابلة للنقل، لم تعد التخصصات الدقيقة وحدها
كافية. نحن بحاجة إلى عقول قادرة على التنقل بين مجالات الفن، والتقنية،
والتربية، والمعرفة البصرية، دون حواجز مصطنعة — وهو ما ناقشته سابقًا في كتابي "عقلية
قيد التحديث...".
لذلك يجيب هذا
الكتاب على سؤالين محوريين في آن:
ماذا نعلّم
اليوم؟ وكيف؟
لكن إجابته
ليست عبر جداول أو مخططات، بل من خلال رحلة بصرية/سردية تدمج بين الشعر،
اللوحة، الأغنية، والمشهد السينيمائي والكاريكاتير، وتحوّل التعليم إلى تجربة
إنسانية شغوفة وممتعة ومفتوحة على التطور — وهذا بالضبط ما يحتاجه طلاب اليوم،
وغدًا أكثر.