دليل المدرس "العادي" للقضاء على فضول الطالب

دليل المدرس "العادي" للقضاء على فضول الطالب

مما لا ريب فيه أن فضول الطلاب من الأمور المزعجة للمدرس "العادي"، حيث يمكن للطالب الفضولي أن يضيع وقت الحصة في اطلاق الأسئلة المتتالية، وهي في الغالب خارج خط المنهاج الرسمي، بل قد تمتد كذلك إلى موضوعات لا يتطرق لها الكتاب المقرر، وهو ما قد يشجع طلابا آخرين على التساؤل، لذلك يجب على المدرس "العادي" القضاء على الظاهرة في مهدها قبل أن تستفحل كالعدوى، وغني عن القول أن القضاء على فضول الطلاب لا يحدث نتيجة لمجهود معلم واحد، بل تتطلب تضافر الجهود على مر السنوات الدراسية، وفق رؤية موحدة للمدرسة تقتضي وأد الفضول في مهده، أي منذ الصفوف الأولى، حتى لا تصبح في المستقبل عادة معرفية لدى طلابنا.
إليك عزيزي المعلم، عفوا.. المدرس "العادي" مجموعة من الخطوات التي ينبغي عليك اتباعها:


أولا: الكتاب المقرر ثم الكتاب المقرر ثم الكتاب المقرر
تمترس خلف الكتاب المقرر، إنه يمثل خط الدفاع الصلد في وجه عفويتهم وفضولهم، لا تدع الشك يتسرب إلى نفسك في كل ما يرد فيه، اتبعه صفحة بصفحة، سطرا بسطر، إذا ما شعرت بالحاجة إلى لا قدر الله إعادة ترتيب بعض الموضوعات في الكتاب، تقديما أو تأخيرا، دمجا أو مقارنة، فقاوم ذلك الهاجس، حتى لا تثير فضولهم بذلك التغيير المفاجئ، طالما بقيت ملتزما بمنهاجك أن متفوق على الطلاب بخطوة أو بخطوات، أنت في الحلبة التي لا يسودها سواك، تعرف كل سطر وكلمة فيه ربما أكثر مما تعرف أبنائك، لذلك كلما التزمت به كانت قدرتك على كشف الخروج عنه أقوى، وفي حال جاءك أيا منهم بمعلومة خارجه، ما عليك إلا أن ترسم على محياك إبتسامة لزجة وتجيب ببرود "هل يرد ذلك في الكتاب المقرر!"

ثانيا: لا تجارب لا ألم
ينساق الكثير من المعلمين الغرر بالادعاء القائل أن تطبيق الدروس خير وسيلة لفهمها، مثل إجراء التجارب في المختبر، تخيل تلك العقول الغضة حين تفاجئ بتلك الأدوات والمواد المختلفة في المختبر، وتبدأ في التساؤل حول ماهية كل منها وفائدته، كيف يصنع وكيف يتم التعامل معه، تخيل مدى الشغف الذي يحدثه تلامس أناملهم مع المعدن البارد لأجهزة المختبر، فتفتح بابا للفضول لا يسده ضعفي حجم المعلومات الواردة في الكتاب، حين تشاهد أعينهم النهمة نواتج هذا التفاعل أو ذاك، ويبدا كل منهم في التخيل "ماذا لو..؟" تاركا مخيلتهم أمام آلاف الاحتمالات التي تثيرا فضولا غير مسبوق، إذا كان ولابد من التجارب فلتكن في أضيق الحدود، اقتصر الأمر فقط على ما يلزم للتجارب الوارد نصها في الكتاب، وقم بتنفيذ الخطوات بنفسك.

ثالثا: الهدف هو الامتحان
لابد من اللحظة الأولى التوضيح للطلبة أن الهدف الأساسي لتواجدهم في المدرسة هو الحصول على أعلى علامة، وهو ما يتطلب "الحفظ" الحرفي للكتاب والإجابة على الأسئلة المتواترة في الامتحانات السابقة، ضعهم أمام الحقيقة الكونية التي تتقنها أكثر من غيرها: ليس من المهم أن تفهم كل جزئية فالأهم هو أن تكون قادر على الإجابة عن الأسئلة التي قد ترد عليها في الامتحان، أكد لهم أن أجيال وأجيال تعلمت وفق تلك المنهجية ولم يحدث لهم أي ضرر، حافظ عليهم في وضعية التنافس وفقا لمعيار واحد ووحيد وهو العلامات، استخدم الاختبار كأداة واحدة للتقييم، وطبعا ركز في اختبارك على الأسئلة المباشرة من الكتاب، تأكد أن إجابة كل "فسر" أو "علل" واردة حرفيا في المقرر.

رابعا: هناك حل واحد لكل مشكلة
من الأمور المثيرة للفضول هو تعدد الحلول والطرق في التعامل مع مشكلة واحدة، وإدخال كل طالب جزء من شخصيته في العمل، حدد الاستجابة المتوقعة منذ البداية، ولا تقبل أي شكلا آخر لها، مهما كان جذابا أو مغريا، لأن ذلك سيشجع محاولات الخروج عن كل ما هو مألوف، والرجوع إلى مصادر مختلفة، ولك أن تتخيل ما قد يثيره ذلك من فضولهم، أو ما يشكله من تهديد لسلطة الكتاب المقرر (راجع النقطة الأولى)

خامسا: التكنولوجيا ملك للمعلم
تحت إلحاح الدراسات الحديثة، تصر الجهات الإدارية على ضرورة استخدام التكنولوجيا في التعليم، حسنا حافظ على ذلك في الحدود الدنيا، اقتصر قدر الإمكان على العروض التقديمية (الباوربوينت)، ولا تدع لهم مجالا لاستخدامها، فهي ملك لك ومصدر لقوتك، فلا تدع لهم مجالا للتفوق عليك (وحتما سيتفوقون عليك في استخدامها بحكم الجيل والألفة)، ستجد أنهم يبدعون ويجدون طرق مختلفة لعمل أشياء لا تتوقعها، أغلق هذا الباب من البداية.

سادسا: ابتعد عن كل ما هو بصري وتأملي
صحيح أن استخدام الوسائط البصرية هي أداة للمتعة والتشويق، لكن من القائل أن المدرسة مكان للمتعة أو التشويق!، الملل هو واحد من سمات المدرسة الجيدة، والطالب الجيد هو القادر على التأقلم مع هذا الملل المتراكم من المحاضرات، استخدام الخبرات البصرية مثير للفضول والخيال، ويفتح بابا للتساؤل والتوقعات، لذلك تعد الخبرات المكتوبة (النصوص) والمسموعة (محاضرات الأستاذ) هي الوسيلة الأمثل للاحتفاظ بعقول الطلاب بين دفتي الكتاب لا تغادره.

سابعا: لا محل لثقافة التساؤل
لا تجعل العبارات الرنانة التي يرددها المتأثرين بالثقافات الغربية تحت دعوى التجديد، من أن الثقافة المدرسية الفعالة هي القائمة على السؤال لا الإجابة، لا تجعل هذه العبارات تخدعك، فهذا بداية غير ما ألفينا عليه آبائنا، كما أنه يضعك في شرك أن تهيئ مجالا ليضع الطلاب خبرات التعلم محل التساؤل، وهذا ينتج أمور قد يكون الفضول أقلها، فمثلا قد يضع الطلاب القواعد الاجتماعية للمدرسة أو أسلوب التعليم أيضا محل تساؤل، أو الظروف السائدة في المجتمع، أو أنماط الاقتصاد، وبذلك تكون قد أعددت للمجتمع شخصا قادر على التشكك في السلطات (بالمعنى الواسع للكلمة) ونقدها، وكلنا نعلم أن ذلك من غير المرغوب فيه قطعا.

ثامنا:  لا تجعل عمل المجموعات في قلب تعليمك
المشكلة ليست في عمل الطلاب معا فحسب، ولكن فيما يتضمنه ذلك العمل من تتطلب تنظيم الطلاب لأنفسهم، ومهمات تتخطى الحفظ الحرفي للكتاب المدرسي، واستفادة كل منهم من خبرة الآخر الشخصية أو مهاراته المختلفة، كما تتطلب توقع قدر من الاختلاف بين هذه المجموعة وتلك، ومناقشة كل الاختلافات وأسبابها وأفضلية كل منها، وما يتطلبه ذلك من أدوات تقويم مختلفة، إذا كان ولابد من عمل المجموعات تحت ضغط مدير المدرسة أو المشرف التربوي، فحافظ عليه في حدوده الدنيا، كلفهم بالتعاون في مهمات يمكن لأي منهم أن يؤديها منفردا (على سبيل المثال: حل الأسئلة أو المسائل الواردة في الكتاب)

تاسعا: الواقع هو شيء خارج المنهاج
تفتح محاولة ربط المعلومات الواردة في الكتاب بالعالم الواقعي مجالات واسعة لإثارة فضول الطلاب، تذكر أن أسوار المدارس لم تبن عبثا، إنما قطعا لمنع ذلك الاحتكاك بين الواقع والمعرفة المدرسية، وكل طرق التعليم القائم على (المشكلات، البحث، التصميم......) هي مصممة للربط العميق بين الواقع والمنهاج، لذلك عليك تجنبها، في الأكثر إثارة للفضول، وتدفع الطالب للإبحار بعيدا عن الكتاب المقرر.

عاشرا: الفضول لا يأتي منفردا، اقض على مفردات الخيال والإبداع
أن يغمض الطالب عينيه ليتخيل وضعا مختلفا، مثل السؤال (توقع نهاية مختلفة للقصة/ ماذا تفعل إذا كنت محل/ طور آلية عمل كذا....) وما شابهها من وضعيات تجعل المتعلم على أهبة الفضول، وقس على ذلك كل ما يتطلبه الإبداع من ربط بين قضايا مختلفة أو تطبيقات مختلفة، وما فيه من خروج على خط التعليم "الرسمي"، لذلك لا تجعل الطلاب يحاولون في تلك المجالات.

باتباع تلك الخطوات، تكون عزيزي المدرس "العادي"، قد حصلت على طالب خالي من الفضول والشغف والخيال، قادر على الحفظ لا التحليل، الصم لا الفهم والتطوير والابتكار، تكون قد أسست صفا مملا بامتياز
وفقا لمقياس (من صفر لعشرة) كم تمنح نفسك في مجال القضاء على الفضول.
Inspired by:




0 التعليقات :

إرسال تعليق